الأربعاء، 3 أكتوبر 2012

مقال أعجبني لأسامة غريب

منذ أن عمل بالشركة وهو يشعر بالاضطهاد، ليس من المدير الفاسد فقط وإنما من غالبية الموظفين. يبدو أنه تراث تقليدى.. يا ويلك إذا غضب عليك الرئيس فى العمل.. لن تجد بالمكان وليا ولا نصيرا.. حتى الذين يحبونك سيحبونك فى السر لكن فى العلن لن تجد منهم سوى الإعراض والخذلان، وحتى إذا احتجت أحدهم للشهادة.. تلك الشهادة التى قال الله إن من يكتمها آثم قلبه، فإنهم بكل رضا وسعادة سيشهدون ضدك زورا، ولا مانع حين يلقونك فى المساء أن يتباسطوا معك ويطلبوا منك أن لا تزعل لأنهم لا يقصدونك شخصيا، لكن لقمة العيش تحكم!
كان المدير المالى صديقه ودُفعته فى الكلية، لكنه ما إن أدرك أن المدير يكره صاحبه حتى قلب له ظهر المجن ولم يخجل أن يبدى له العداوة علنًا وأن يسخر منه أمام الموظفين وذلك حتى تنقل العصافير إلى المدير ما حدث فيكسب عنده نقطة إضافية! حتى السكرتيرة التى كان هو نفسه السبب فى تعيينها أصبحت هى الأخرى تنظر إليه بشك وتتلفت حولها حين يصادفها ويلقى عليها تحية الصباح قبل أن ترد فى صوت خجول لا يسمعه أحد بكلمات غير مفهومة. لقد بلغ انسحاقهم أمام المدير ومحاولاتهم نيل رضاه درجة لا تصدق. كان الرجل فاسقًا فاجرًا وكانوا يعرفون عنه ذلك ويجدونه مدعاة لمزيد من الإذعان خشية التعرض لأذاه، وهو من جانبه لم يقصر فى إذلالهم وبعثرة كرامتهم ما استطاع إلى ذلك سبيلا. حدث ذات يوم أنه كان يمر بين المكاتب يتفقد أحوال الرعية والسيجار الضخم بين أصابعه، وكان الوقت فى نهار رمضان! عندما وصل إلى مكتب شؤون الأفراد قام الحاج عاصم مدير القسم منتفضا من على كرسيه وهو يردد عبارات الاتضاع والتذلل، وعندها قام المدير بإخراج قطعة شيكولاتة سويسرى من جيب سترته أخذ منها قضمة ثم قدمها إلى عاصم وقال له: ذقها فإنها ستعجبك.. ولدهشة الجميع فوجئوا بالحاج عاصم يتناول الشيكولاتة ويقضم منها فى تلذذ، وهو يقول: الله عليك يا باشا.. ذوقك حلو حتى فى الشيكولاتة! كان صاحبنا يشاهد كل هذا ويتعذب وهو يستشعر صعوبة التغيير وسط قوم أدمنوا الهوان وأصبحوا على استعداد أن يقاتلوا بضراوة من يحرمهم ثمرته الفاسدة. ومع هذا لم ييأس فكان يسعى إلى التقرب من زملائه حتى يستنهض فيهم جذوة الشهامة التى خمدت أو كادت، كما كان يقابل إساءاتهم بالإحسان عسى أن يجد من بينهم من يعينه على الوقوف فى وجه المدير المسنود من قيادات الحزب الوطنى وأعضاء لجنة السياسات. لقد سبق أن تقدم أكثر من مرة بمستندات إلى الإدارة العليا تثبت جرائم المدير واختلاساته وتحويله الشركة إلى عزبة ينهبها الأقارب والأصهار، حتى إنه سد باب التعيينات فى وجه الشباب المتفوق من كل التخصصات ولم يعين سوى الذين ينتفع من وراء أهاليهم. وعندما لم يستمعوا إلى شكواه قام بالتصعيد وأرسل الأوراق إلى الرقابة الإدارية التى لم تحرك ساكنًا، كما ذهب إلى النيابة العامة وقدم ما لديه، وكانت النتيجة أن النيابة حفظت الشكوى لعدم كفاية الأدلة -التى تسد عين الشمس- لفتح تحقيق. لم يفهم أحد سر عداء المدير له.. صحيح هم يعلمون أن مديرهم المرتشى لا يحب الشرفاء، لكنه لم يكره أحدا ويضطهده كما فعل مع صاحبهم هذا، وذلك على الرغم من أنه لم يكن أول من يتصدى للمدير ويكتب الشكاوى ضده، فهناك مثلًا زميلهم رأفت الشيوعى القديم الذى سبق أن خاض معارك ضد المدير ودارت بينهما جولات، لكنها لم تتخذ صورة الحرب الشاملة وظلت بينهما شعرة معاوية لم تنقطع. البعض رجح أن تديّن صاحبنا كان سر العداء الشديد له، وأن استعصاءه على الإفساد والفشل فى شرائه هى الأسباب الحقيقية لاضطهاده وتخطيه فى الترقية وتصعيد من لا يدانوه علما وخبرة ومكانة وجعلهم رؤساء عليه.
لكن يشاء رب العباد أن تقوم الثورة ويذهب المدير الفاسد إلى السجن مصحوبا باللعنات ويجد صاحبنا نفسه وقد أصبح هو المدير فسبحان مغيّر الأحوال. يذهب الرجل إلى مكتبه الفخم وهو عازم منذ اليوم الأول على التطهير وتخليص المكان من رؤوس الفساد.. هو لا يحتاج إلى من يدله على الفاسدين، فملفاتهم كلها عنده وجرائمهم جميعا موثقة وهو أول شاهد عليها.. كل ما عليه أن يسدد إليهم ضربة واحدة فيسجن منهم من يستحق السجن ويفصل من لا أمل من إصلاحه ويعيد تأهيل الباقين.. لكن رويدًا.. ما المشكلة فى أن يتريث قليلًا ليستمتع بالسادة ولاد الرقاصة من زملائه السابقين الذين ساموه سوء العذاب وهم يحملون له البخور ويقدمون فروض الطاعة والولاء ويتذللون ويتضرعون فى حضرته كما كانوا يفعلون مع سلفه؟ ما المشكلة فى أن يسلى نفسه بالتمتع برؤيتهم يخدمونه بعد أن كانوا يعاملونه بقرف واشمئزاز.. قليل من المتعة لا يضر، وبعدها سيطيح بهم جميعا ويسدد إليهم الضربة التى ينتظرها منه الناس.
أعتقد أن الرئيس مرسى يعيش الآن نفس حالة صاحبنا هذا ويسعد برؤية من كانوا يضعونه فى السجن وهم يؤدون له التحية، ويستمتع بخدمات الخدامين لكل العصور قائلًا لنفسه: غدًا بإذن الله نطيح بهم. لكن ما لا يعلمه الرئيس أن الغد لن يأتى أبدًا بهذه الطريقة!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق