خلال أكثر من ٥٠٠٠ سنة لم تحدث أو تنجح في مصر ثورة شعبية حقيقية واحدة بصفة محققة بصفة مؤكدة. مقابل بضع هبات أو فورات قصيرة متواضعة أو فاشلة غالباً، مقابل عشرات بل مئات من الانقلابات العسكرية يمارسها الجند و العسكر دورياً كأمر يومي منذ الفرعونية و عبر المملوكية و حتي العصر الحديث و مصر المعاصرة.
و هكذا بقدر ما كانت مصر تقليدياً و من البداية إلي النهاية شعباً غير محارب في الخارج، كانت مجتمعاً مدنياً يحكمه العسكريون كأمر عادي في الداخل، و بالتالي كانت وظيفة الجيش الحكم أكثر من الحرب، و وظيفة الشعب التبعية ، و وظيفة الشعب التبعية أكثر من الحكم، و في ظل هذا الوضع الشاذ المقلوب، كثيراً ما كان الحكم الغاصب يحل مشكلة الأخطار الخارجية و الغزو بالحل السياسي و أخطار الحكم الداخلية بالحل العسكري، أي أنه كان يمارس الحل السياسي مع الأعداء و الغزاة في الخارج و الحل العسكري مع الشعب في الداخل، فكانت دولة الطغيان عامة، استسلامية أمام الغزاة ، بوليسية علي الشعب.
من هذا و ذالك جاءت لعنة خضوع الحكم العسكري الاغتصابي الاستسلامي للاستعمار الأجنبي علي المستوي الخارجي، و لعنة خضوع الشعب السلبي المسالم للحكم البوليسي في الداخل، و هي جميعاً سلسلة متناقضات ساخرة بقدر ما هي قطعة من الاستمرارية المأساوية المحزنة المخجلة.
شخصية مصر، الجزء الرابع
جمال حمدان
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق