الخميس، 10 أغسطس 2017

الأسلحة الفاسدة و أكاذيب العملاء

ياسر بكر
شهادات شهود من أهلها ، وأهلها نفر من الذى روجوا للكذبة من ضباط انقلاب 23 يوليو 1952 : يقول اللواء محمد نجيب فى كتابه " كلمتى للتاريخ "صـ 20 : ( أنا لا أريد أن أنزلق مثل الكثيرين إلى تعليق عدم انتصارنا فى حرب فلسطين على مشجب الأسلحة الفاسدة، وهى القضية التى استخدمت للدعاية ضد النظام القائم حينذاك ، ولكنها انتهت بالبراءة فى عهد الثورة . )

الأغرب من هذا ، أنه لم يرد فى اليوميات التي كتبها جمال عبد الناصر بخط يده فى أثناء حرب فلسطين عن المدة من سنة 1948 حتى نهاية سنة 1949 جملة واحدة عن الأسلحة الفاسدة ، تلك اليوميات التى احتفظ بها الأستاذ محمد حسنين هيكل لمدة 55 عاما ،ة والتى نشرتها جريدة العربى الناصرى بعنوان :" دفتر يوميات عبد الناصر".
ويؤكد محمد نجيب فى كتابه " كنت رئيسأ لمصر " : ( فى خلال شهور الحرب لم يلفت جمال عبد الناصر انتباهى . لكنى أتذكر أنه كان يحب الظهور ويحب أن يضع نفسه فى الصفوف الأولى والدليل على ذلك ما حدث فى الفالوجا . كنا نلتقط صورة تذكارية فى الفالوجا ، ففوجئت بضابط صغير ، يحاول أن يقف فى الصف الأول مع القواد ، وكان هذا الضابط جمال عبد الناصر ، ولكنى نهرته وطلبت منه أن يعود لمكانه الطبيعى فى الخلف . وعرفت عنه ، بعد ذلك ، أنه لم يحارب فى عراق المنشية ، كما أدعى ، ولكنه ظل طوال المعركة فى خندقه لا يتحرك .. وفى الحقيقة كان الجنود السودانيون هم الذين حاربوا فى هذا المكان ونجحوا فى الاستيلاء على 13 دبابة من اليهود .. والمعروف أن السودانيين مغرمون بكتابة الشعر .. وقد سجل بعضهم تفاصيل القتال الذى دار فى عراق المنشية فى قصائد طويلة ، وصفوا فيها عبد الناصر وصفاً غير لائق بضابط مصرى
وفى أثناء الهدنة مع اليهود ، جاء ضابط يهودى اسمة كوهين يسأل عنه ..ولم يكن موجودا .. فكتب له خطاباً وتركه مع ضابط من الأخوان اسمه معروف الحضرى .
ولم أعرف ما فى الخطاب ، لأن أخلاقنا لم تكن تسمح بقراءته .
وفى الحقيقة، لم أعر مثل هذه الأمور اهتماماً ، فى ذلك الوقت ، وكان هذا خطأ كبير من أخطائى ، التى أعترف بها .. لكنه اعتراف بعد فوات الأوان . )

وقد أكد إيجال يادين نائب رئيس وزراء إسرائيل صدق ما قاله اللواء محمد نجيب على مائدة المفاوضات أثناء زيارة السادات للقدس عام 1977 بقوله :

( حينما كان الصاغ جمال عبد الناصر رئيس أركان حرب الكتيبة السادسة مشاة ضمن القوات المحاصرة في بلدة عراق المنشية قطاع الفالوجا ، كان يتحدث عبر خطوط الجبهة مع اليهود المحاصرين للفالوجا ، وأن إيجال يادين الذي كان رئيساً لأركان حرب جنوب فلسطين فى ذلك الوقت كان يرسل إليه هدايا البرتقال والشيكولاتة !! )

وقد برر الأستاذ محمد حسنين هيكل اتصال عبد الناصر باليهود فى الفالوجة بتفسير يدعو إلى السخرية أكثر منه إلى الدهشة والعجب ، وخاصة أنه لا ينطلى على طفل صغير ، ويحيط شخص عبد الناصر بشبهات كثيرة بقوله :

( .. وجاء ثمة عامل مؤثر آخر أثر تأثيراً عميقاً فى حياته سنة 1948 عندما شاءت له أقداره أن يكون أحد اللذين حاصرهم الإسرائيليون فى الفالوجة والذين قاتلوا برغم ذلك ببسالة وواصلوا القتال رافضين الاستسلام .وكان خلال ذلك يتحدث عبر خطوط الجبهة مع الإسرائيليين المحاصرين للفالوجة ، وكان الحديث يدور حول الكيفية التى أجبر بها اليهود بريطانيا على التخلى عن انتدابها على فلسطين . )

ويؤكد اللواء أ .ح جمال حماد متعه الله بالعافية وطول العمر على صحة تلك الشهادات فى الحلقات الخمسة عشرة التى نشرتها مجلة " أخر ساعة "بعنوان : "الحقيقة فى قصة الأسلحة الفاسدة " ، والتى بدأت المجلة نشر أولى حلقاتها فى عدد 28 / 3 /2001 ، وأكده فى حديثه لجريدة الأهرام اليومى بتاريخ 11 ديسمبر 2009 :



( بصراحة شديدة حجم الدعاية في قضية الأسلحة الفاسدة لا يقل عن 60% وقد روجت السينما لهذه القضية طويلا. وكل ما في الأمر أن المدافع التي قيل إنها كانت ترتد لصدور جنودنا كانت تنفجر نتيجة لسخونتها. وكثافة استخدامها في ضرب النار وقلة التدريب ، فالمدفع الـ 25 رطلا من أفضل المدافع في العالم وهيأ النصر للانجليز في العلمين ولكن الذخائر التي استخدمت كانت فاسدة نتيجة للعوامل الجوية وحرارة الشمس ، أما الهزيمة فقد تحملتها مصر؛ لأنها مصر الرائدة والأخ الأكبر دائما. كان جيشنا أكبر جيش. أحد الجيوش السبعة كان يتكون من (1000مقاتل) يحاربون بالبنادق فقط ، وبلا خرائط !! ) .

.. يتفق مع اللواء جمال حماد فى الرأى أحمد حمروش أحد ضباط انقــلاب 23 يوليو 1952، فقد ذكر فى ( الجـزء الأول من كتابه قصة ثورة 23 يوليو ) :

" هكذا كانت قضية الأسلحة الفاسدة ، قضية دعاية أكثر منها قضية مخالفة للقانون... وقضية إثارة أكثر منها قضية اختلاس وسرقة .. والأقلام التى انجذبت إليها صورتها على أساس أنها قضية رئيسية فى هزيمة الجيش ، متجاوزة بذلك قضايا أخرى أطثر أهمية وأكثر نفاذاً فى التأثير على قدرة الجيش على القتال . "


.. ويقطع عبد اللطيف البغدادى فى شهادته بأسباب هزيمة الجيش فى حرب فلسطين والتى ضمنها عبد اللطيف البغدادى مذكراته التى نشرت بعنوان " مذكرات عبد اللطيف البغدادى "عن دار نشر المكتب المصرى الحديث فى عام 1977 ، وهى شهادة لها أهمية خاصة لسببين :

الأول : لكونها صادرة عن عبد اللطيف البغدادى رئيس " محكمة الثورة " التى حكمت على القائمقام عبد الغفار عثمان بالسجن 15 عاماً وتجريده من الرتبة العسكرية ومصادرة أمواله ، وأموال زوجتيه .
الثانى : وأن هذه الشهادة جاءت بخلاف ما نطق به من حكم الإدانة بحق عبد الغفار عثمان .

يقول البغدادى:



" ..وكان النقراشى باشا رئيساً للحكومة فى ذلك الحين ، وقد طلب من قادة الجيش المصرى الاشتراك فى المعركة الدائرة على ارض فلسطين ، واعتراض بعض القادة منهم لعدم استعداد الجيش المصرى بالأسلحة اللازمة والكافية لخوض هذه المعركة ، وهو نفسه كان يعرف هذه الحقيقة أيضا ، ولكنه تحت ضغوط الملك فاروق أصدر أمره للجيش بالتدخل " .



.. يعود البغدادى ليعترف صراحة عن أسباب الهزيمة ، وليس من بينها ثمة إشارة لأسلحة فاسدة أو قتلى من الجنود نتيجة لاستعمالها ، فيذكر على صفحتى 27 و 28 من الجزء الأول من نفس المذكرات:

".. ولكن الجيش المصرى كان فى أشد الحاجة للأسلحة والذخيرة ، ولم يكن يمكنه الحصول عليها إلا من السوق السوداء العالمية . وفى حدود ضيقة جداً ومن أصناف رديئة من مخلفات الحرب العالمية الثانية ، وكان قد سبق استخدامها وكان هناك ـ قرار من هيئة الأمم بحظر بيع السلاح للأطراف المتحاربة ـ ولكن رغم هذا القرار فقد أمكن لليهود الحصول على احتياجاتهم كاملة من السلاح من السوق الأوربية وخاصة من تشيكوسلوفاكيا . وتخللت تلك الحرب ثلاث هدنات وأوقف القتال فى كل هدنة ، وكان ذلك فى صالح اليهود لأنهم كانوا قادرين على شراء ما يلزمهم من الأسلحة والذخيرة بخلاف العرب . كما أنهم كانوا يعملون أيضاً على كسر قرار إيقاف القتال بغرض تحسين مواقعهم العسكرية والاستفادة بأراض جديدة يعملون على احتلالها عندما يكونون قادرين على ذلك " .




.. ويعترف د . ثروت عكاشة فى الجزء الأول من مذكراته بعنوان : "مذكرات في السياسة والثقافة" :


(إن ما قيل عن فساد الأسلحة والذخائر التي كانت في أيدي الجيش المصري ، حديث يتجاوز الحقيقة.)

.. ويقطع الصاغ حسين حمودة ( من ضباط انقلاب 23 يوليو ) فى شهادته التى ضمنها كتابه بعنوان " أسرارحركة الضباط الأحرار والإخوان المسلمين " :

( أنه لم يرسل إلى ميدان القتال بفلسطين سنة 1948 أية أسلحة فاسدة لأن السلاح كان يجرب فى مصر قبل إرساله إلى ميدان القتال ) .

شهادة أخرى على ملأ من الناس فى القاهرة، ففى يناير عام 1988 استضاف معرض القاهرة الدولى للكتاب ضمن فاعليات ندواته الفريق حافظ إسماعيل مستشار الأمن القومي السابق الذى شهد :

" أنه كان ضابطا في حرب فلسطين عام 1948 ، ولم تكن هناك بندقية واحدة فاسدة في أيدي الجيش المصرى " .


كل ما لدينا من وقائع وشهادات تؤكد أن كذبة سوداء مسماة بـ " الأسلحة الفاسدة" هي صورة صارخة ومثال زاعق لعملية الغش والتدليس في كتابة تاريخ الوطن والمساس بحرمته من أشخاص تحوطهم الشبهات ، وصحفى مخادع بنى مجده الصحفى على كذبة يدعى إحسان عبدالقدوس!! وأن هذا الدعىّ لم يسلم من بطش من مارس الكذب لحسابهم، فقد نشر مقالاً بعنوان : (الجمعية السرية التي تحكم مصر) أثناء أزمة مارس 1954 والاعتداء على الدكتور عبد الرزاق السنهورى، وترتب على المقال القبض عليه واعتقاله ودخوله السجن الحربى الذى لقى فيه من هوان الرجال ما يعجز القلم عن سطره ، ويعف اللسان من نطقه ، وبعد خروجه منه صباح يوم 31 يوليو .1954 ، وما أن وصل إلى بيته ، دق جرس التليفون يحمل إليه صوت جمال عبد الناصر شريكه فى كذبة " الأسلحة الفاسدة" ضاحكاً، وهو يقول له :

" هيه إتربيت ولا لسه يا إحسان، طيب تعال إفطر معايا ، ما تتأخرش أنا منتظرك" .

استقبله جمال عبدالناصر؛ تناولا الفطور معاً ، كان عبدالناصر ينظر إليه نظرات ذات مغزى يفهمه إحسان الذى منكسراً لا يقوى على ابتلاع طعامه، فى هذا اللقاء أفهمه عبد الناصر أن الزمن قد تغير، وألمّح له بأشياء أخرى(......) ، بعدها راح عبدالقدوس يكتب روايات الجنس والفراش مبتعدا عن السياسة .



.. الغريب فى الأمر أيضا أن مجرمى تزييف التاريخ مازالوا يصرون على الكذبة فى مناهج التعليم فى مصر !!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق