الاثنين، 18 سبتمبر 2017

العجول العمياء لما تتعارك مع بعض يخربوا الدار



حريق الأوبرا
كتب :جمال أبوالفتوح

من حرق الأوبرا الخديوية، وأبكى المصريين على صرح تاريخى لا يعوض، تمت إبادته ومحوه بفعل فاعل.. سؤال نعيد طرحه بمناسبة مرور 45 عامًا بالتمام والكمال على الحدث المشئوم، فقد استيقظت مصر صباح التاسع والعشرين من أكتوبر عام 1971 على خبر حريق دار الأوبرا المصرية، أحد أهم الآثار الثقافية بمصر، التي غنى على مسرحها كبار المطربين المصريين والعرب والأجانب. وكالعادة المتهم الأول كان الماس الكهربائى.

يقول الدكتور جابر البلتاجى، نائب مدير دار الأوبرا المصرية الأسبق، إن أصابع الاتهام فى أول الأمر أشارت إلى الماس الكهربائى، لكن حريق الأوبرا تم بفعل فاعل، لأنه قبل الجريمة بشهرين كان هناك تجديد بالفعل لشبكة الكهرباء بالمبنى والشبكة كانت جديدة، خصوصًا أن البعض أبلغ عن سرقة بعض محتويات دار الأوبرا مثل النجفة الكبيرة التى لا يمكن أن تخرج دون فكها إلى أجزاء، وبعض الأثاث.

لكن الأهم من ذلك، كما يقول الدكتور البلتاجى، هو اختفاء « برتاتورة» أوبرا عايدة الأصلية، وهى عبارة عن مجلد ضخم يضم التفريغ الإخراجى الكامل لتفاصيل العمل الفنى، التى كتبها مؤلفها الإيطالى العالمى (فيردى) بخط يده، كما سرقت ملابس لا تقدر بثمن، كان يرتديها الفنانون العالميون أثناء العروض على مسرح الأوبرا.

ويفجر الدكتور جابر مفاجأة، وهى أن الصحف الإيطالية ذكرت عام 1976- أى بعد الحريق بخمس سنوات، أن أحد كبار قيادات الأوبرا يعرض هذه البرتاتورة للبيع فى إيطاليا، وأن صديقه الفنان حسن كامى أبلغه بهذا الخبر، وقال إن الصحف الإيطالية ذكرت اسم البائع الذى كان يشغل منصبًا رفيعًا فى دار الأوبرا، إضافة إلى أن الحريق تم قبل الجرد بأيام قليلة، ما يؤكد سرقة واختلاس بعض المقتنيات.

يستعيد «البلتاجى» ذكرى النكبة ويقول: اتصل بى فى صباح اليوم المشئوم صديق يسكن بجوار الأوبرا, ليبلغنى أن الأوبر تحترق, فنزلت على الفور لأجد نفسى أمام كابوس لا تصدقه عيناى, فسقطت على الأرض من هول الصدمة, وأفقت لأجد المغنى الأوبرالى زميلى أتينور جريجوار بجوارى ورجال المطافئ يساندوننى.

يضيف: الغريب أننى سمعت إبراهيم البغدادى, عضو مجلس قيادة الثورة, محافظ القاهرة فى ذلك الوقت يتشفى فى الحريق, ويقول بصوت عالٍ, وهو يقف بجوارى: «أنا عايزها هى والأرض حتة واحدة», وجاءتنى الفرصة وأنا اتكلم للتليفزيون المصرى, أن أفضح المحافظ, وأقول الجملة التى قالها, وكتب الكاتب الصحفى الأستاذ محمد عبدالمنعم مقالاً حول ما قلته فى التليفزيون مطالباً بفتح التحقيق مع المحافظ, ولكن لا حياة لمن تنادى. وشاهد آلاف المصريين الحريق فى مبنى الأوبرا المصرية, التى كان يطلق عليها «الأوبرا الخديوية», والتهمت النيران المبنى ذا الطراز المعمارى المميز, بما فيه من ملابس وديكورات وإكسسوارات العروض التى تمت على مسرحه, والكثير من التحف النادرة.

ظلت النيران مشتعلة حوالى ست ساعات, وفى الساعة التاسعة صباحاً حضر إلى موقع الحادث حسين الشافعى, نائب رئيس الجمهورية, وممدوح سالم, رئيس مجلس الوزراء, واللواء يونس الأنصارى, مدير أمن القاهرة فى ذلك الوقت, وعدد من المسئولين الذين أصابهم الذهول لمشهد مبنى الأوبرا العريق وهو يحترق.

تضاربت الشهادات حول أسباب الحريق, إلى أن انتهت التحقيقات المطولة إلى أن السبب هو حدوث ماس كهربائي. ورغم تشكيك البعض وقتها فى ذلك السبب وإشارتهم إلى أن هناك أسباباً أخرى, لكن لم يتم التحقق منها لصعوبة ذلك.

ويضيف «البلتاجى»: وبالمناسبة شاهدت فيلماً وثائقياً بعنوان «حرق أوبرا القاهرة», للمخرج والمصور السينمائى المصرى كمال عبدالعزيز, حيث يشمل تحقيقات ولقاءات حية مع أشخاص عملوا بالأوبر. ومن بين الشهادات التى يضمها الفيلم, يقول قائد الأوركسترا د. طه ناجى فى شهادته: «قبل الحريق كانت هناك نجفة كبيرة جداً معلقة وسط الأوبرا, فجأة اختفت, وهى لا يمكن إخراجها من الباب إلا مفككة, حريق الأوبرا نتيجة إهمال وتخريب, كنا قريبين من النكسة, وكان هناك تخريب وإهمال شديد من إدارة المطافئ القريبة جداً». يرجع تاريخ بناء دار الأوبرا القديمة لى فترة الازدهار التى شهدها عصر الخديو إسماعيل فى كافة المجالات, وقد أمر الخديو إسماعيل ببناء دار الأوبرا الخديوية بحى الأزبكية بوسط القاهرة بمناسبة افتتاح قناة السويس, حيث اعتزم أن يدعو إليه عدداً كبيراً من ملوك وملكات أوروبا, وتم بناء الأوبرا خلال ستة أشهر فقط, بعد أن وضع تصميمها المهندسان الإيطاليان أفوسكانى وروس, وكانت رغبة الخديو إسماعيل متجهة نحو أوبرا مصرية يفتتح بها دار الأوبرا الخديوية, وهى أوبرا عايدة, وقد وضع موسيقاها الموسيقار الإيطالى «فيردى», لكن الظروف حالت دون تقديمها فقدمت أوبرا ريجوليتو فى الافتتاح الرسمى الذى حضره الخديو إسماعيل والإمبراطورة أوجينى زوجة نابليون الثالث, وملك النمسا, وولى عهد بروسيا, وكانت دار الأوبرا الخديوية التى احترقت فجر 28 أكتوبر عام 1971 تتسع لالدار بالعظمة والفخامة. والتهمت النيران مناظر الأوبرات والباليه التى تركتها الفرق الأجنبية هدية للدار, واعترافاً منها بالدور الرائد لمصر فى نشر تلك الفنون الرفيعة, كما احترقت لوحات كبار المصورين التى كانت معلقة على جدار الأوبرا والآلات الموسيقية ونوتات مئات الأوبرات والسيمفونيات, وهكذا احترقت الأوبرا القديمة التى زارها العظماء من الفنانين الفرنسيين والإيطاليين والروس والإنجليز وغيرهم, وتم تدمير المبنى المقام على الطراز الإيطالى وبُنى مكانه جراج للسيارات, ولم يتبق منها سوى تمثالى «الرخاء» و«نهضة الفنون» اللذين أقامهما الفنان محمد حسن (1892 -1961) فى عام 1948 بحجم يزيد على الحجم الطبيعى, أحدهما يعبر عن الرخاء والثانى يعبر عن نهضة الفنون.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق