الخميس، 28 سبتمبر 2017

الحركات التحررية النسوية

الحركات النسوية وصلتها بالاستعمار

بسام حسن المسلماني 

 

تتشدق الحركات النسوية بدعاوي التحرر، وتجعل من قضايا الحرية وحقوق الإنسان محورا رئيسيا لخطابها، في حين أن هذه الحركات منذ نشأتها الأولى مرتبطة بالقوى الاستعمارية الغربية  والأنظمة القمعية، ولم تترعرع وتؤتي أوكلها إلا في ظل أجواء الاحتلال والقهر والاستبداد، مما يجعلها أبعد ما تكون عن المطالبة بالحرية أو بحقوق الإنسان. وتاريخ هذه الحركات والأطوار التي مرت بها من كبر الدلائل على هذا.

اللورد كرومر راعي تحرير المرأة:
لقد نشأت حركة تحرير المرأة وثيقة الصلة بالاستعمار الغربي، فقد كان اللورد كرومر راعي هذه الحركة في مصر، والمحرك الأول لها، من خلال صالون الأميرة نازلي، والذي كان أحد رواده بالإضافة إلى "سعد زغلول" وزوج صفية زغلول وهي من أوائل من نزعت الحجاب عن رأسها، وألقته في مياه النيل. والشيخ محمد عبده الذي ثبت أنه كتب فصولاً من كتاب قاسم أمين (تحرير المرأة)، هو الذي خذل أهل الإسلام يوم أن قاموا بموجة عارمة من المعارضة ضد القضايا التي أثارها كتاب قاسم أمين، وطلبوا منه فتوى في الكتابين (تحرير المرأة)، و (المرأة الجديدة)، ولكن الشيخ ظل ملازماً للصمت إزاء هذه القضية التي كانت شغل الناس والعامة آنذاك، فضلاً عن العلماء والخطباء والفقهاء والدعاة، فكان لامتناعه أعظم الأثر في تمرير أفكار قاسم أمين، "وكانت الأميرة نازلي قد افتتحت هذا المنتدى إثر عودتها إلى مصر بعد الاحتلال، وبعد أن قويت روابطها مع اللورد كرومر واتخذت من المعتمد البريطاني أداة لحماية رواد هذه الدعوة، وتعبئتهم لتوجيه هذه الحركة متى أمكن ذلك.
 كما كان "أحمد لطفي السيد" أحد أهم الدعاة لتحرير المرأة والملقب بأستاذ الجيل، أشد المعجبين باللورد كرومر، وقد أثنى عليه ووصفه بأنه (من أعظم عظماء الرجال، ويندر أن نجد في تاريخ عصرنا نداً له يضارعه في عظائم الأعمال) ، كما كان سعد زغلول نفسه يمجد في اللورد كرومر، ويعترف بأنه تلقى عنه ثقافته قائلا: سعد (كان يجلس معي الساعة والساعتين ويحدثني في مسائل شتى كي أتنور منها في حياتي)، (وكان يصفه بأن صفاته - أي كرومر- قد اتفق الكل على كمالها)"(1)، لذلك فليس من العجيب أن تكون صفية زوجة سعد هي أول من تزعمت مع "هدى شعراوي" مظاهرة نسائية سنة (1919 م) طالبت خلالها النساء بخلع الحجاب.

تونس وقضية الحجاب
نموذج أخر من تونس، فقد برزت حركة تحرير المرأة في تونس، مع مجيء الاستعمار الفرنسي عام 1881 الذي حاول تغيير ثقافة البلاد ومسخ هويته، من خلال استقطاب نخب سياسية وثقافية واجتماعية ونسائية تكون أدواته في التغيير. فبدأ الاحتلال من خلال هذه النخب إلى إثارة العديد من القضايا التي تمثل ثوابت إسلامية وقيمية داخل مجتمعاتنا، وكان على رأس هذه القضايا المثارة قضية الحجاب.
احتدم الجدل في عشرينات القرن الماضي بين هذه النخب المتفرنسة وعلماء الزيتونة، حول مسألة سفور المرأة وخروجها من منزلها سافرة دون ضابط من دين أو شرع،  وفي ظل هذا الاحتدام تجرأت بعض النسوة اللاتي تشربن الثقافة الفرنسية وبدعم فرنسي، وكشفن عن وجههن وكانت على رأسهن "منوبية الورتاني" التي وقفت يوم 15 يناير عام 1924م على منبر الجمعية الثقافية "الترقي" التابعة للاشتراكيين خلال إحدى الندوات، وكان عنوان الندوة "مع أو ضدّ الحركة النسوية" وقد دخلت مكشوفة الوجه، وطالبت بتحرر المرأة من الحجاب. وبعد خمس سنوات من هذه الحادثة تجرأت امرأة أخرى "حبيبة المنشاري" التابعة للفرع النسائي للحزب الاشتراكي الفرنسي في تونس يوم 8 يناير 1929 بالحديث سافرة الوجه، وكان ذلك أيضا على منبر جمعية "الترقي" في أمسية العنوان السابق نفسه، في الندوة السابقة، وتحدثت المنشاري عما ادعته من تعاسة الفتاة المسلمة بسبب إجبارها على الحجاب ودعت إلى خلعه.
 واستمر دعاة التحرير في نشاطهن ومحاولة خلع المرأة التونسية من زيها الإسلامي، حتى كان عهد الحبيب بورقيبة، وهو أحد المتفرنسين والمنبهرين بالثقافة الغربية لذلك كانت أولى القرارات التي اتخذها "الحبيب بورقيبة" بعد أن تولى زمام الأمور في البلاد عقب خروج الاحتلال الفرنسي، قراره بضرورة نزع الحجاب عن المرأة التونسية. معتبرا أنه معوق لقيم التطور والتنمية والحداثة.
ونزل بورقيبة إلى الشارع بعد الاستقلال ونزع بيديه الحجاب عن المرأة التونسية. وسن قانونا (المنشور 102 و 108) يمنع ارتداء الحجاب، ويعتبره زيا طائفيا يشجع على الانقسام داخل المجتمع. ووفر كل السبل وسهل كل الطرق المؤدية إلى اختلاط الشباب بالفتيات، كما حرم تعدد الزوجات، وأحل التبني، ومنع الصيام، وحرم زواج الرجل من مطلقته التي طلقها ثلاثا بعد طلاقها من زوج غيره.

قضية الحجاب كمبرر للاحتلال
بل كانت دعوى تحرير المرأة ذاتها هي أحد مبررات الغرب في احتلاله للأراضي الإسلامية، وقتله لعشرات الآلاف من البشر، وأبرز مثال على ذلك مزاعم "جورج بوش الابن" عن تحرير المرأة الأفغانية بعد أن دك مدنها بالطائرات وقتل الآلاف بالرصاص.. لقد صاحب  الاحتلال الأمريكي لأفغانستان، حملة إعلامية كبيرة تتابع وترصد كل حركة أو مشهد متعلق بالمرأة الأفغانية، وأصبح مشهد مشاركة المرأة الأفغانية في مسابقات ملكات الجمال أو الأولمبياد، و صور الأفغانيات السافرات أو طوابير النساء اللاتي تقفن للإدلاء بأصواتهن في الانتخابات تتصدر شاشات التلفاز وأغلفة المجلات في العالم. حاول الأمريكان استغلال قضية ما يسمونه باضطهاد المرأة الأفغانية كواحدة من الذرائع لتبرير عدوانهم على أفغانستان. وقد صرحت  زوجة الرئيس الأمريكي الأسبق "جورج بوش" قائلة لتبرير الحرب التي شنها زوجها على هذا البلد المسلم : "بعد عدة سنوات أمضتها النساء الأفغانيات كسجينات في بيوت رجال طالبان، عادت المرأة الأفغانية إلى العمل، وأصبحنا نشاهد المرأة الأفغانية تشارك في الأولمبياد وهي تلبس بنطالا وقميصا طويلا وتمارس حقها في الحرية"!؟.
الغرب يدعم الحركات النسوية ليس من أجل نصرة المرأة كما يدعي، ولا دفاعا عن حقوقها، بل لتمرير مصالحه وهو ما عبرت عنه اليزابيث تشينى" ابنة نائب الرئيس الأمريكي قائلة: "إن نساء العرب هن أهم وسيلة لإحداث تغييرات في المنطقة"(2)، وصرح الكاتب اليهودي "مارتن شيرمان" في مقال له نشرته صحيفة يديعوت أحرنوت، قائلا: "هناك طريق واحدة يمكن من خلالها الدخول في مواجهة حاسمة مع الإسلام من غير أن نضر بالقيم الديمقراطية الليبرالية، هذه الطريق تمر عبر المرأة والتطلع إلى تحريرها، أو على الأقل إحداث تقدم في هذا المجال، و مساواتها في الحقوق أو على الأقل تحسين وضعها من هذه الناحية، ولا يوجد أدنى شك أن عالماً إسلامياً يكون فيه وضع المرأة (المسلمة) قريباً من وضع بنات جنسها الغربيات، سيكون عالماً مختلفاً تماماً، وأيضاً خصماً أقل عداوة"(3).
الحركات النسوية بما تحمله من خطاب يهدف لتنكر المرأة لقيمها وعقيدتها، إنما يعمل على تدمير مجتمعاتنا وتمكن لأعداء الأمة، في حين أنها لو أرادت المطالبة بحقوق المرأة فإن المنهج الإسلامي هو السبيل الوحيد لذلك، وتاريخ الإسلام أكبر شاهد على ذلك.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الإحالات (الهوامش):
(1) عودة الحجاب، محمد أحمد إسماعيل المقدم، دار طيبة، ج1 ص 36.
(2) نساء العرب في قبضة ابنة تشيني، موقع لها أون لاين، على الرابط التالي:

(3) بحث بعنوان: المرأة الغربية، أرقام ناطقة.. وحقائق شاهدة، عبد الملك حسين التاج، نسخة الكترونية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق