الخميس، 21 يونيو 2012

رأي ليبرالي

الإخوان ليسوا شيئا واحدا.. هم البسالة والفداء والتضحية والبذل فى المواقف المفصلية والحرجة.. وهم كذلك البراجماتية والنفعية التى تصل إلى النذالة وقلة الأصل فى مواقف أخرى. ظهرت هذه البسالة والصلابة يوم موقعة الجحش، ثم توارت واختفت بعد ذلك وحلت محلها الأنانية واللهاث لجمع الغنائم، ثم عادت مرة أخرى فى انتخابات الرئاسة فاصطف الإخوان إلى جانب قوى الثورة لمواجهة وحوش كونية، لا قبل لأحد بها ولم يحدث أن خسرت معركة من قبل. صحيح أننى لا أعتبر فوز الدكتور مرسى بالرئاسة مفاجأة، لكننى رغم ذلك كنت شديد القلق من القوى الأسطورية التى كان يواجهها.. لم يكن فى مواجهته شفيق، فهذا وحده لا يخيف ولا يستطيع أن ينجح بمجهوده حتى فى انتخابات مجلس محلى، لكن ما كان يقلقنى هو وقوف الدولة المصرية بكامل أجهزتها العتيدة العتيقة المتجبرة المخيفة إلى جانب مرشح أسرة مبارك. كان الخطر ماحقًا، ذلك أن الثورات فى بداياتها تكون رومانسية وشريفة ونبيلة.. لذلك يسهل هزيمتها فى الانتخابات بواسطة الأجهزة الأمنية القمعية والجهاز الإدارى الذى احترف الخيانة والولس، ولا تدخل النزاهة والشرف ضمن التوصيف الوظيفى الفعلى لأدائه! كان يقلقنى العطب الذى أصاب أخلاق المصريين وعقولهم، والذى تجلى فى الوجود الملموس والحضور القوى لمن يؤيدون عدو الثورة! وهذا العطب فى ظنى يحتاج إلى سنوات طويلة من الحكم الشريف لعلاجه. كان يقلقنى المال السائب الذى يتم الإنفاق منه على حملة أحمد شفيق بلا حساب.. والمال سلاح رهيب لكسب الانتخابات فى المجتمعات الفقيرة التى يسهل فيها شراء الأصوات والذمم. كما كان يقلقنى جهاز الشرطة الذى وإن كان لا يستطيع التدخل بالتزوير كما كان يفعل فى زمن الملعون، إلا أن قلوب ضباط به ما زالت معلقة بأيامٍ كانوا يستطيعون فيها أن يدوسوا على رقاب الناس دون خشية من عقاب، ولهذا فإنهم وجدوا فى شفيق أملا فى عودة الماضى. وكان يقلقنى كذلك طول الفترة الانتقالية التى منحت الإعلام القذر فرصة جيدة لهدم الثورة طوبة طوبة وعلى مهل، وذلك بالانتقال من مرحلة الانحناء للعاصفة والتهليل للثورة إلى مرحلة التحدث عن سيئات مبارك إلى جانب سيئات خصومه، حتى وصلنا إلى مرحلة أن الثورة هى السبب فى كل ما يعانيه البلد من خراب! ولعل أحمد شفيق نفسه قد خاض نفس المراحل فى علاقته بالثورة فبدأ بعد خلع الملعون يتودد إلى الثوار، ويتحدث عن نفسه باعتباره واحدا منهم، ثم بدأت خطواته تتباعد بنفس وتيرة الضربات التى كان المجلس العسكرى يسددها إلى الثورة والثوار، حتى رأيناه فى النهاية يعلن أنه تلميذ لحسنى مبارك وأنه يعتبر المخلوع قدوة ومثلا أعلى له.. فعل هذا وهو على أبواب معركة انتخابية يحتاج فيها إلى كل صوت. فعله بعد أن أعملت الآلة الإعلامية عملها فى مخ الناس وبعد أن صاروا يربطون بين غياب الوقود والسلع التموينية وبين الثورة، وأصبح الانحياز إلى جانب مبارك وعصابته جالبا لأصوات الناخبين! كل هذا كان يقلقنى وأنا أتابع الانتخابات وأرى محمد مرسى يتعرض للإهانة على الفضائيات، وجماعة الإخوان تتعرض للتشويه المنهجى، حتى إن شفيق وجد فى نفسه الجرأة ليخرج على الناس بكذبة فظيعة هى أن الإخوان هم الذين ارتكبوا المجزرة يوم موقعة الجحش وهم الذين قتلوا الثوار! لم يكن شفيق ليتجرأ على الفُجر فى الخصومة بهذا الشكل لولا اطمئنانه إلى أنه مدعوم من اللجنة الرئاسية التى أعادته إلى السباق الرئاسى دون أحقية، ومدعوم من المحكمة الدستورية التى منحته شرعية إكمال السباق، بل وأزاحت مجلس الشعب من طريقه، ومدعوم من فلول الحزب الوطنى ومليارديرات لجنة السياسات، ومدعوم قبل كل هؤلاء من المجلس العسكرى الذى يحرك كل السلطات والأجهزة، ويستصدر القرارات والأحكام التى يريدها.
لكل هذه الأسباب فإننى كنت متشوقا وراغبا فى رؤية كيف تسير هذه المعركة غير العادلة وإلى أى النتائج تفضى؟ واليوم أستطيع القول إننا ورغم المخاوف التى لم تزايلنا نحو الإخوان الذين رأيناهم ينفضون عنا حينما تلوح بشائر النصر ويتخذون مواقف خاصة بهم.. أقول إننى رغم ذلك يداخلنى شعور بأن هذه المعركة لو دخلها عبد المنعم أبو الفتوح أو حمدين صباحى ضد شفيق لما استطاع أىٌّ منهم أن يحسمها، لأن قدرات كل منهما ومعه أنصاره تقصر به عن مواجهة الوحوش الضارية التى لعبت لصالح شفيق. إن الاثنى عشر مليون صوت التى حصل عليها شفيق من بينها سبعة ملايين صوت من الدلتا، أغلبهم فلاحون تم سوْقهم وحشدهم فى سيارات والذهاب بهم إلى اللجان مقابل أموال دفعت لهم ولمن جلبهم حتى سابع سمسار! لم يكن حمدين أو أبو الفتوح ليستطيع مواجهة هذا الفحش وكانت النتيجة الحتمية هى فوز شفيق. قد يقول قائل: وهل تقصد أن الإخوان لم يكونوا ليساندوا مرشح الثورة ضد مرشح الفلول؟ أقول بلى كانوا سيعطونه أصواتهم، لكنهم لم يكونوا ليحشدوا له أو يسهروا من أجله لحراسة الصناديق ومنع التزوير أو يقوموا بالفرز والتصوير والتوثيق وكل ما فعلوه لإخراج الناس من بيوتهم للإدلاء بالصوت وقطع الطريق على حسنى مبارك للعودة فى صورة رجل ببلوفر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق