الأحد، 17 يونيو 2012

أفضل تحليل لزيارة جمعة للقدس

إذا حدث فى أى وقت أن انفجرت الشمس وتناثرت أشلاؤها فى الفضاء الكونى وأصبحت أثرا بعد عين، فإن سكان الأرض لن يعرفوا ما حدث ولن يتأثروا به إلا بعد مرور ثمانى دقائق، وهو زمن وصول الشمس إلى الأرض. سيظل أهل الأرض ينعمون بالحرارة والدفء فى هذه الدقائق الثمانى دون أن يدروا بما تخبئه لهم الأقدار.
لست أدرى لماذا أصبحت أحس أننا نحيا فى هذه الدقائق الثمانى، وأن كل ما نحن فيه الآن من صخب وضجيج وحملات دعائية وحملات مضادة وتراشق ومشاحنات وتظاهرات وقطع طرق وبرامج تليفزيونية ومشاجرات على مواقع التواصل الاجتماعى.. كل هذا يحدث بينما الشمس قد ضاعت ولن تعود.
كانت إحدى المحطات المهمة على طريق الآلام هو اليوم الذى وطئت فيه قدما الأستاذ على جمعة المعين فى الدولة بوظيفة مفتى الديار المصرية (وكأن مصر اسمها الديار المصرية) اليوم الذى وطئت قدماه أرض فلسطين المحتلة عندما قام بزيارة، وصفها البعض بالسخيفة، ووصفها البعض الآخر بأنها لا مبرر لها وتمنح العدو الإسرائيلى ما لم يحلم به من تطبيع مجانى. قام السيد جمعة بزيارته بعد أن حصل على تأشيرة من العدو الإسرائيلى، وقال لمن انتقدوه إنه أراد أن يصلى فى المسجد الأقصى! ومن الجدير بالرواية أننى منعت السيدة فتحية لموناتة فى ذلك الوقت من أن تتدخل أو تعلق أو ترمى شيئًا من أشيائها المعتادة، ولم أسمح لرأسها بأن تطل على المشهد كاملًا حتى لا تكون الفضيحة مدوية، لكن هذا لم يمنعنى من التمعن فى الموقف حتى أفهم أسبابه، فليس من المنطقى أن الأخ جمعة قد استيقظ من النوم على رغبة كاوية لم يستطع لها دفعًا فى زيارة القدس والصلاة بها، رغم ما هو معروف من رفض شعبى لهذه الفعلة، ورغم ما هو معروف من أن البابا شنودة قد رفض رفضا قاطعا السماح للأقباط بزيارة القدس وهى تحت الاحتلال. لم أجد سببًا فى ضوء إيمانى بنظرية المؤامرة سوى أن هذه الزيارة ليست سوى فصل من فصول السباق بين المجلس العسكرى والإخوان لنيل رضا الأمريكان. وليس خافيا أن اللقاءات المتعددة التى حدثت بين مسؤولين فى الإدارة الأمريكية وبين كوادر إخوانية قد أزعجت المجلس العسكرى، ويبدو أنه خشى من أن ينال الإخوان الحظوة والثقة، ويتم الاعتماد عليهم كبديل عن منظومة مبارك التى حظيت بالرعاية طويلا.. هذه الرعاية التى أتاحت للمخلوع ونظامه أن يسرق وينهب ويقتل ويفعل بمصر والمصريين ما يشاء، طالما ظل على ولائه للكفيل الأمريكى وصبيه الإسرائيلى.. وربما أن هذه الخشية هى ما دفعت السلطة الحاكمة إلى إرسال السيد مفتى الديار المصرية فى الزيارة العجيبة التى لم يفهمها أحد وذلك كرسالة ذات مغزى لا يخفى على الطرف الأمريكى مؤداها أننا نحن، ونحن فقط، الذين نقدر على تنازلات من هذا النوع ونستطيع أيضًا -لو أردنا- أن نجعل كل شيوخ السلطة يقومون بزيارات مماثلة، وبإمكاننا أن نجعلهم يمارسون التطبيع وما هو أكثر منه مع العدو الإسرائيلى.. فهل يستطيع الإخوان الذين تلتقون بهم أن يقدموا على أفعال فظيعة من هذا النوع؟ بالتأكيد لا يقدر الإخوان على هذا، ومن المفهوم أن تعاونهم مع الأمريكان له حدود وله سقف وإلا فقدوا الأساس الدعوى والسياسى الذى يشكل مرجعية الجماعة!
فى اعتقادى أن الأمريكان قد وصلتهم الرسالة وأخذوها بعين الاعتبار، ويبدو أنهم قاموا بإرساء العطا على نظام مبارك من جديد.. وربما إلى هذا تُعزى كل الإجراءات التى شهدناها فى الأيام القليلة الماضية من ضبطية قضائية تمنح للجيش والمخابرات، ومجلس منتخب يتم حله وانتخابات رئاسية تعيد مبارك من جديد، وهذا كله لا يتم من دون رضا أمريكى، مهما تظاهر المسؤولون الأمريكان بالقلق.. ربما هى الدقائق الثمانى التى حدثتكم عنها هى ما نعيشه الآن!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق