السبت، 14 يوليو 2012

أسامة غريب

تعودت أن أكون معارضًا بحكم أن السلطة التى نشأنا فى وجودها لا تستحق المعارضة فقط، لكن تستحق الازدراء أيضًا، ورغم أننى منحت صوتى للدكتور محمد مرسى كما منحته تأييدى العلنى فى الصحف وفى البرامج التليفزيونية، فإننى كنت أتأهب لأبدأ فى مناوأته ومعارضته منذ اليوم التالى لتسلمه السلطة، ذلك أن دور الموافق والمؤيد لا يناسبنى ولا أستريح له. غير أن مشكلة أساسية صادفتنى، وهى أن الدكتور محمد مرسى لم يتسلم السلطة بعد، فكيف أعارضه وكيف أحمل عليه بينما السلطة فى مكان آخر؟ من الطبيعى أننى ألاحظ بعض الكتابات -وأصحابها وطنيون- تقدم إلى الرئيس لائحة طويلة بالطلبات التى يريدون منه تحقيقها فى الحال.. ولا أقلل أبدًا من مشروعية الطلبات التى تبدأ من الإفراج عن السجناء المدنيين القابعين فى السجون العسكرية وتمر بتلبية احتياجات المواطنين الأساسية من الحق فى العمل والمسكن والتعليم والعلاج، وتعلو حتى تصل إلى إقالة المجلس العسكرى بأكمله. أقول إن هذه الطلبات ليست غريبة ولا عجيبة، وبوسع أى رئيس منتخب أن يأخذ فيها إجراءات بحكم السلطات التى منحها الشعب له. لكن المشكلة أن الرئيس مرسى قد أتى فى ظروف غاية فى الغرابة، وكان مجيئه ضد هوى الكثير من القوى التى صنعها حسنى مبارك واشترى ولاءها بالمال العام. لقد كانت الدولة الغائرة الماكرة تلعب بكل أجهزتها ضد مرسى فى الانتخابات، وكان هناك إصرار فولاذى على إنجاح شفيق بعد مساعدته على تخطى كل العقبات القانونية والجنائية التى صادفته! ومن أجل تحقيق هذه الغاية التى بدا أنها معركة حياة أو موت بالنسبة إلى فيلق المخلوع، فقد خاضت أجهزة الدولة السياسية والأمنية والإعلامية معركة شرسة حاولوا فيها أن يمرروا شفيق ويجعلوا الناس يبتلعونه دون اللجوء إلى التزوير الفج الذى لم يكن ليحدث دون وقوع حرب أهلية.. والحقيقة أن النتيجة التى حققوها كانت مذهلة، فمن كان يصدق أن الشعب الذى ثار على حكم العصابة وخلع رئيسها يمكن أن يمنح ما يقرب من نصفه ثقته لأحد صبيان رئيس العصابة؟ لكن هذا هو ما حدث، وقاربت الألاعيب الشيطانية التى عبثوا فيها بالجهاز العصبى للمصريين أن تؤتى ثمارها بعد أن ارتكبوا جميع أنواع الجرائم، ثم ربطوا بينها فى ذهن العامة وبين الثورة. أقول كادوا ينجحون ولم يكن ينقص شفيق سوى نسبة قليلة من الأصوات حتى يحتفلوا ويشربوا الشمبانيا نخب الثورة التى نجحوا فى قتلها ومواراتها التراب. ولقد حدث فى أثناء الحملة الانتخابية أن سعت وسائل الإعلام المشبوهة إلى انتزاع كلمة من الدكتور مرسى عن أنه سيقبل النتيجة التى تأتى بها الصناديق أيًّا تكون. لقد كانوا من الدهاء والمكر بحيث إن نعالهم الإعلامية كلها قد وجهت إلى الرجل السؤال نفسه، ذلك الذى تم طبخه فى أضابير الأجهزة الأمنية، وكانوا يقولون له إمعانًا فى الاستعباط: إن الفريق شفيق قد أعلن أنه سيرضخ للنتيجة ويعترف بها بصرف النظر عن اسم الفائز، فهل تفعل المثل يا دكتور مرسى؟ والحقيقة، إننى أشهد أن الأداء الإخوانى فى الرد على هذا السؤال الملغوم قد أدهشنى، حيث لم أتعود أن أرى الإخوان بهذا الذكاء، ولم أتوقع أن يتخطوا بنجاح هذا الفخ. لقد كان من الطبيعى أن يعلن شفيق اطمئنانه ورضاه عن النتيجة لأنه مرشح السلطة التى تجرى الانتخابات، وهى التى أتت به وراهنت عليه وسعت لإنجاحه، فكيف لا يرضى بحكمها؟ لكن بالنسبة إلى مرسى فإن العكس كان صحيحًا على طول الخط، فهو يعلم أن أنصاره هم ذلك الجزء من الشعب الذى ما زال متمسكًا بالثورة، أما السلطة الحاكمة فستفعل كل ما بوسعها لإسقاطه، وهو يعلم أن الإجابة عن السؤال الملعون بنعم سنقبل النتيجة التى تعلنها السلطة، كان سيدفع حتمًا إلى تزوير النتيجة بعد أن يطمئنوا إلى رد الفعل! لكن شاءت إرادة رب العالمين أن يرد كيدهم إلى مؤخراتهم المكتنزة وأن يفوز الدكتور مرسى وينشر رجاله محاضر الفرز ويضعوها فى عين كل عشاق المخلوع وصبيانه. ومن الطبيعى أن هذا قد أطار صوابهم، فقام الذين حلموا باستعادة أمجاد أيام مبارك الملعونة بممارسة ضغوط هائلة على السلطة الحاكمة حتى تغير النتيجة وتعلن على الناس نتيجة زائفة بفوز شفيق.. وبدا من خلال سلسلة من الأحداث أن هذا السيناريو فى طريقه للنفاذ، حيث أصدر وزير العدل دون مناسبة قرارًا بمنح الضبطية القضائية لضباط الجيش والمخابرات، وبدأت المدرعات تنزل إلى الشوارع بكثافة، وتتمركز فى المحاور والطرق الرئيسية، وبدأ الفيلق الإعلامى يذيع أخبارًا عن قوة الحرس الجمهورى التى تسلمت منزل شفيق وشرعت فى وضع الخطط التأمينية له باعتباره سيصبح الرئيس بعد ساعات.. لكن إصرار الجماهير على منع التزوير دفع إلى التسليم بفوز مرسى فى النهاية.. ومع ذلك فإن هذه ليست نهاية القصة، فمن اعترفوا لمرسى بالرئاسة وهم يتجرعون السم ما زالوا يتربصون به ويسعون لإفشاله والنيل منه وهز صورته أمام الناس، وقد بلغوا فى هذا مبلغًا غاية فى الانحطاط والتدنى. لكل هذا، فإننى أدعو الرئيس محمد مرسى إلى أن يُرى ولاد الرقاصة ومَن وراءهم شيئًا من بأسه حتى يدخلوا الشقوق ويتركوه يعمل.. ويمنحونى الفرصة لأعارضه!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق