الخميس، 9 مايو 2019

محسنة توفيق

Ammar Alsayed Ammar

وفاة الممثلة القديرة ..
هذه الواقعة حدثت معي شخصيا منذ حوالي ربع قرن .. يعني لا منقولة ولا هي من الخيال ..
دخل إلى مكتبي رجل بسيط الحال علمت منه أنه يسكن بالقرب من المكتب وان زوجته قد تم القبض عليها من منزلها وأنها محجوزة بقسم شرطة العجوزة ..
رغم أني أكره الحضور بأقسام الشرطة ولا أدخلها إلا في أضيق الحدود .. المهم توجهت للقسم فعلمت أن تلك السيدة البائسة قد تم القبض عليها بتهمة سرقة أطقم صيني وفضيات من منزل مخدومتها الممثلة الشهيرة فاستأذنت الضابط أن أفهم حقيقة الواقعة من المتهمة الجالسة بجوار حجز القسم ومعها رضيعتها الصغيرة .. فسمح الرجل مشكورا .. وفهمت منها أنها تقوم بخدمة تلك الممثلة كل يوم من تنظيف للمنزل وقضاء بعض شئونها .. وأنها ذات يوم طلبت منها البقاء قليلا بعد مواعيدها لان لديها ضيوف وتحتاجها لخدمتهم فوافقت على ألا تتأخر على بيتها وأولادها ..
خلال خدمتها للضيوف حاول أحدهم أن " يمد إيده " متجاوزا حدوده فهرعت لمخدومتها وأخبرتها إلا أن الأخيرة ردت عليها أنها بتكبّر الموضوع فردت عليها بأنها لا تستطيع الاستمرار معها في هذه الأجواء .. فطلبت منها إكمال اليوم لظروف الحفل ولها بعد ذلك ما تشاء .. ولكنها لم تستطع تناسي أن ضيفها قد تعرض لإهانة ما فقررت الانتقام له .. وقامت بتحرير محضر ضدها متهمة إياها بالسرقة ..
تم تحويل الأوراق للنيابة .. وخلال تحقيقات النيابة حاولت بشتى الطرق أن أجعل الممثلة تتنازل عن بلاغها رحمة بالسيدة البائسة وطفلتها الرضيعة وأطفال آخرين ينتظرون عودتها بالمنزل .. حتى إنني قلت لها مداعبا .. خليكي يا أستاذة أسم على مسمى وأحسني لهذه البائسة فرفضت تماما وبإصرار ..
ثم إحالة المتهمة لجلسة مستعجلة وتصادف أن رقم القضية لا يوافق الأرقام التي يختص القاضي بنظرها في هذا اليوم .. ويعرف المتخصصون أن هذا يعني أنه يتم تأجيل القضية لليوم الذي يوافق القاضي صاحب الرقم ..
المهم .. تم النداء على المتهمة وقبل أن يهم القاضي بقرار التأجيل كنت قد وقفت أمامه وبجواري المتهمة وتمسكت متوسلا بأن تقوم المحكمة بنظر الدعوى وقلت فيما قلت أنني أمام محكمة جنح العجوزة .. وأن توزيع الأرقام هو شأن إداري ولكنني في النهاية أمام محكمة مختصة وأنني والمتهمة قد أرتضينا أن نقف أمام هذه المحكمة ونرتضي حكمها أيا ما يكون لثقتنا في البراءة إن شاء الله .. وأن وضع المتهمة وظروفها لا تحتمل أي تأجيل .. ودون تردد وافق القاضي ونادى على الحرس أن يدخلوا بالأحراز .. فدخل " أربع عساكر جبابرة يفتحوا برلين " حاملين عدة صناديق كبيرة .. المفروض أنها تحتوي على المسروقات التي قامت المتهمة بسرقتها من منزل الممثلة على مدار شهر كامل ..
انتهزت فرصة أن العساكر ينؤون بالحمل الثقيل وهم العصبة أولي القوة فما بالنا بهذه المتهمة ذات الجسم الضئيل وكيف يتسنى لها الخروج من منزل مخدومتها حاملة تلك المسروقات وبعضها يستحيل إخفاؤه في طيات الملابس أو في شنطة متعلقات شخصية وأن الأمر لا يعدو أن يكون مكيدة وأن التهمة لا أساس لها من الصحة أو دليل من الواقع ..
قبل أن أكمل مرافعتي .. فوجئت بالقاضي ينطق بالبراءة في المواجهة ..
تذكرت هذه الواقعة بعــد قراءتي لخبر وفاة تلك الممثلة .. وما أسبغه الناس عليها من صفات مثل بنت مصر البارة .. بهية مصر .. الممثلة القديرة ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق